خواطر حول كتاب / مع أبي الطيب المتنبي
للدكتور / عبدالله الطيب
إعداد وتجميع / عبدالله أحمد الباكري
·
يقول المتنبي :
يدفن بعضنا بعضاً
ويمشي
|
|
أواخرنا على هام
الأوالي
|
ويقول :
وشبه الشيء منجذب
إليه
|
|
وأشبهنا بدنيانا
الطغام
|
يقول د0عبدالله الطيب :
ومرادنا بالحيوية عند المتنبي أن الحيوية
عنصر الشيء فيه عن صدق التجربة وعمق الإنفعال معاً 0
أقل سلامي حب ما خف عنكم
|
|
وأسكت كيما لا يكون جواب
|
وفي النفس حاجات وفيك فطانة
|
|
سكوتي بيان عندها وخطاب
|
ويقول أيضاً :
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
|
|
ولكن من يبصر جفونك يعشق
|
ويقول :
مرت بنا بين سربيها فقلت لها:
|
|
من أين جانس هذا الشادن العربا
|
ويقول :
ومنتسب عندي إلى من أحبه
|
|
وللنبل حولي من يديه حفيف
|
فهيج من شوقي وما من مذلة
|
|
حننت ولكن الكريم ألوف
|
وكل وداد لا يدوم على الأذى
|
|
دوام ودادي للحسين ضعيف
|
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً
|
|
فأفعاله اللائي سررن ألوف
|
ونفسي له – نفسي الفداء لنفسه
|
|
ولكن بعض المالكين عنيف
|
فإن كان يبغي قتلها يك قاتلاً
|
|
بكفيه فالقتل الشريف شريف
|
ويقول :
وكم لظلام الليل عنك من يد
|
|
تخبر أن المانوية تكذب
|
وقالك ردى الأعداء تسري إليهم
|
|
وزارك فيه ذو الدلال المحجب
|
ويوم كليل العاشقين منته
|
|
أراقب فيه الشمس أيان تغرب
|
وما الخيل إلا كالصديق قليلة
|
|
وإن كثرت في عين من لا يجرب
|
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها
|
|
وأعضاءها فالحسن عنك مغيب
|
وما طربي لما رأيتك بدعة
|
|
لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
|
وتعذلني فيك القوافي وهمتي
|
|
كأني بمدح قبل مدحك مذنب
|
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله
|
|
فإني أغني منذ حين وتشرب
|
وكل امرئ يولي الجميل محبب
|
|
وكل مكان ينبت العز طيب
|
يخالف الدكتور
الطيب ما ذهب إليه محمود شاكر من أن المتنبي كان عاشقاً لخولة شقيقة سيف الدولة ،
ويرى أن الأبيات التي استشهد فيها شاكر ليس فيها نفس من غرام ،، ويقول إن الإنصراف
بالكلية في آخر البائية الشهيرة إلى خالص الحكمة والتأمل يقوي هذا ، وذلك في قوله
:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
|
|
إلا على شجب والخلف في الشجب
|
ولعل الحبيب المقنع
المذكور في اللامية بقوله :
لقيت بدرب القلة الفجر لقية
|
|
شفت كمدي والليل فيه قتيل
|
وأجمع النقاد على
أن هذا من محاسن المتنبي وآخر القصيدة بلا ريب قوله :
يهون علينا أن تصاب جسومنا
|
|
وتسلم أعراض لنا وعقول
|
يرى د0عبدالله
الطيب ان المتنبي كان يحب كافوراً حباً صادقاً صريحاً وأظنه في ذلك قد خالف أغلبية
النقاد الذين رأوا أن مدح المتنبي لكافور لم يكن صادقاً ويستشهدون بكثرة الأبيات
التي تحتمل وجهي المدح والهجاء !!0
ويقول الطيب أن بيت
المتنبي :
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله
|
|
فإني أغني منذ حين وتشرب
|
عتاب فيه نفس
النكتة المصرية وأريحيتها كما لا يخفى 0
ويؤكد كلامه بإخلاص
المتنبي مع كافور أن القصيدة التي مدح بها المتنبي فاتكاً كانت ضعيفة لا ترقى
لمستوى مدحه لكافور والتي أولها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
|
|
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
|
إذ ليس فيها نفس
أبي الطيب وروحه الذي نعلم وإنما هي صوغ محكم 0
إنا لفي زمن ترك القبيح به
|
|
من أكثر الناس إحسان وإجمال
|
ويبرر د0عبدالله
الطيب هجاءه لكافور بأنه كان ضرب من الغضب على نفسه والتبرير لطبعه ولا يخفى أن
أجود ما في الدالية :
عيد بأية حال عدت يا عيد
|
|
لأمر أم مضى فيك تجديد
|
الغناء الذي في
أولها وقد كان كافوراً قديراً على رده من أقصى حدود مصر لو قد أراد0
وقد وجد أبو الطيب
عند عضد الدولة من النعمة قريباً مما وجد عند كافور ، وأعى طبعه كما قال ، فنظم
بلا تكلف ولم يتشك ولم يتعتب عند عضد الدولة للذي صح عنده أنه بعد أن طبق صيته
الآفاق قد جاوز مرتبة أن يطلب ولاية أو ضيعة 0
يقول الطيب : وقد
نبه الدكتور طه حسين إلى صفة نادرة في شعر المتنبي في إيران من الإنطلاق المحض
واليسر المنفسح والخيال الجموح ومثل لها بكلمة ( ما أجدر الأيام والليالي )0
كان المتنبي ينشد سيف الدولة جالساً
وكأن ذلك منه طرحاً للكلفة وإظهاراً للألفة 0
ويقول المتنبي :
أين المعيز من الآرام ناظرة
|
|
وغير ناظرة في الحسن والطيب
|
وكأني بالدكتور
الطيب يذهب بأن المتنبي كان له ميل تجاه الصبيان ويعتذر للمتنبي بأن ذلك كان سمة
أهل ذلك الزمان ، ويستشهد بمعاصريه0
يقول أبو فراس
الحمداني :
سر وقال : هات ، قلت : مهلا
|
|
إحلف على الرد ، فقال : كلا
|
أما يميني فهي عندي غالية
|
|
وكلمتي مثل عيني وافية
|
فقلت : خذ هبةً بقبلة
|
|
فصدَ عني وعكتْه خجلة
|
ثم ندمت غاية الندامة
|
|
ولمت نفسي أكثر الملامة
|
على مزاحي والرجال حضر
|
|
وهو يزيد خجلاً ويحصر
|
فلم أزل أمسحه حتى انبسط
|
|
وهش للصيد قليلاً ونشط
|
ويقول حمدان
الموصلي من آل حمدان :
يا رسول الحبيب ويحك قد
|
|
ألقى عليك الحبيب حسناً وطيبا
|
وتعلمت حسن ألفاظه تلك
|
|
فطرفت بادئاً ومجيبا
|
ولقد كدت أن أضمك لولا
|
|
أن تساء الظنون أو تستريبا
|
خيفةً أن يكون ذلك كما قيل
|
|
قديماً صار الرسول حبيبا
|
والرسل كانوا
غلماناً كما يقول المتنبي :
كلما عاد من بعثت إليها
|
|
غار مني وخان فيما يقول
|
ويقول أيضاً :
وأغيد يهوى نفسه كل عاقل
|
|
عفيف ويهوى جسمه كل فاسق
|
وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له
|
|
إذا لم يكن في فعله والخلائق
|
**
ويقول في مدح سيف
الدولة :
أودُ من الأيام ما لا توده
|
|
وأشكو إليها بيننا وهي جنده
|
يباعدن حباً يجتمعن ووصله
|
|
فكيف بحب يجتمعن وصده
|
أبى خلق الدنيا حبيباً تديمه
|
|
فما طلبي منها حبيباً ترده
|
وأسرع مفعول فعلت تغيراً
|
|
تكلف شيئ في طباعك ضده
|
رعى الله عيساً فارقتنا وفوقها
|
|
مهاً كلها يولي بجفنيه خده
|
بوادٍ به ما بالقلوب كأنه
|
|
وقد رحلوا جيد تناثر عقده
|
إذا سارت الأحداج فوق نباته
|
|
تفاوح مسك الفانيات ورنده
|
وحالٍ كإحداهن رمت بلوغها
|
|
ومن دونها غول الطريق ورنده
|
وما زال أهل الدهر يشتبهون لي
|
|
إليك فلما لحت لي لاح فرده
|
وألقى الفم الضحاك أعلم أنه
|
|
قريب بذي الكف المفداة عهده
|
ووعدك فعل قبل وعد لأنه
|
|
نظير فعال الصادق القول وعده
|
**
يقول الدكتور الطيب
: ولم يكن بلاط كافور أصحاب نبال يرسلونها في غلس الظلام ( خذها وأنا غلام أبي
العشائر ) ولا مفاتيح يشجون بها الرؤوس في المجالس ولكن من ملأ مصر ، أهل سياسة
ودمائة طباع ولطف كياسة وظرف ثياب ومجالس حديث 0
فتىً ما سرينا في ظهور جدودنا
|
|
إلى عصره إلا نرجي التلاقيا
|
ترفع عن عون المكارم قدره
|
|
فما يفعل الفعلات إلا عذاريا
|
وغير كثير أن يزورك راجل
|
|
فيرجع ملكاً للعراقين واليا
|
فقد تهب الجيش الذي جاء غازياً
|
|
لسائلك الفرد الذي جاء حافيا
|
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب
|
|
يرى كل ما فيها - وحاشاك - فانيا
|
وما كنت ممن أدرك الملك بالمنى
|
|
ولكن بأيام يشبن النواصيا
|
يقول الدكتور الطيب
: وقد أعجب المتنبي بكافور ووجد إعجاباً منه به وفهماً له وأنس عقل يمازحه استشعار
الرضا بما كان يوليه كافور وبلاطه من عناية وإكبار 0
**
للدكتور الطيب آراء
شاذة عن نقاد المتنبي ومخالفة لهم ، فتراه يقول أن المتنبي كان يحب كافور حباً
خالصاً لا يشوبه شيء ، ويرى أن المتنبي بمصر تعلم الدعة والأمن لقوله :
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
|
|
وقد بشمن وما تفنى العناقيد
|
يقول الدكتور الطيب
: ولم لا تنام إن كانت العناقيد لا تفنى ؟!! ، وهذا على عكس واضح البيت من أنه
هجاء لمصر وأهلها من أن حراس وحكام مصر نائمون عن سراقها وحراميتها ،، وأذكر أن
الدكتور طه حسين علق على هذا البيت قائلاً وهذا البيت صادق من زمن المتنبي إلى
زمننا هذا 0
ثم يستعجب الدكتور
الطيب على البيت السابق قائلاً : وقد زعم بعض الحذاق أن أبا الطيب اسر الهجاء في
مدحه لكافور فعلى هذا القياس يكون ههنا قد أسر المدح في الهجاء الذي هجاه به 0
يا رجاء العيون في كل أرض
|
|
لم يكن غير أن أراك رجائي
|
ولقد أفنت المفاوز خيلي
|
|
قبل أن نلتقي وزادي ومائي
|
فارم بي ما أردت مني فإني
|
|
أسد القلب آدمي الرواء
|
وفؤادي من الملوك وإن كان
|
|
لساني يرى من الشعراء
|
ومراد النفوس أصغر
من أن نتفادى فيه وأن نتفانى غير أن الفتى يلاقي المنايا كالحات ولا يلاقي الهوانا
0
ويمدح المتنبي
كافور بشعر الفكاهة المخلوطة بحزن :
وقد وصل المهر الذي فوق فخذه
|
|
من اسمك ما في كل جيد ومعصم
|
لك الحيوان الراكب الخيل كله
|
|
وإن كان بالنيران غير موسِم
|
ولو كنت أدري كم حياتي قسمتها
|
|
وصيرت ثلثيها انتظارك فاعلم
|
ولكن ما يمضي من العم فائت
|
|
فجد لي بحظ البادر المتغنم
|
ومثلك من كان الوسيط فؤاده
|
|
فكلمه عني ولم أتكلم
|
**
فجاءت بنا إنسان عين زمانه
|
|
وخلَت بياضاً خلفها ومآقيا
|
وهذا أحسن ما يمدح
به ملك أسود0
**
وفي قصيدته في هجاء
كافور التفت إلى وزيره ( ابن خنزابه ) وأضرابه من طبقة البلاط قائلاً لهم :
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
|
|
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
|
ويقول :
وتعجبني رجلاك في النعل إنني
|
|
رأيتك ذا نعل وإن كنت حافيا
|
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
|
|
ليضحك ربات الحداد البواكيا
|
ولولا فضول الناس جئتك مادحاً
|
|
بما كنت في سري به لك هاجيا
|
تظن ابتساماتي رجاءً وغبطة
|
|
وما أنا إلا ضاحك من رجائيا
|
يقول الدكتور الطيب
: وهذا شعر صنعه ليسمعه المصريون لروح النكتة فيه وما كان إلى ذلك سبيل فكتمه حتى
خرج 0 كم قد حرص ، رحمه الله ، على البقاء في مصر ولكن كيد حلب اتصل
بالفسطاط فلم يكن له إلا الفرار0
وهنا يرى الطيب
رأياً جديداً أن كيد حلب اتصل بالفسطاط وهذا مالم يقله إلا الطيب !! 0
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
|
|
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
|
تمنيتها لما تمنيت أن ترى
|
|
صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا
|
حببتك قلبي قبل حبك من نأى
|
|
وقد كان غداراً فكن أنت وافيا
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق