خواطر من كتاب ( منطق ابن خلدون )
للدكتور : علي الوردي
إعداد وتجميع : عبدالله أحمد الباكري
· الباحث العراقي الدكتور محسن مهدي يقول : إن ابن خلدون لم يكن سوى تلميذ
مخلص للفلاسفة القدامى لا سيما ابن رشد ، وإنه بنى علمه الجديد على نفس الأسس التي
بنى أولئك عليها تفكيرهم الفلسفي حيث أنه لم يجد حاجة إلى تغيير تلك الأسس أو
التشكيك في صحتها 0
· بينما يرى الدكتور الوردي أن ابن
خلدون ابتدع علم الإجتماع لأنه خالف النظام الأرسطي ولو أنه بقى عليه لما استطاع أن
يبتكر علماً جديداً 0
· الفلاسفة الأغريقيين كانوا بعيدين عن الواقع ،، لم يختلطوا بالواقع أو
المجتمع لأن عبيدهم كانوا يكفونهم عمل أي شيء أما الفلاسفة السفسطائيين فكانوا
قريبين من الواقع ،، فكان من رأيهم أن ليس في الدنيا حقائق مطلقة ،، وإنما هي
حقائق نسبية ،، فما يراه بعض الناس حقاً قد يراه الآخرون باطلاً ، لقد كان من
المتوقع أن يتطور على يد هؤلاء السفسطائيين علم الإجتماع ولكن الذين حصل أن النزاع
الذي كان بين الفلاسفة والسفسطائيين انتهى إلى هزيمة السفسطائيين هزيمة نكراء حتى
أصبح اسم السفسطة في النهاية لقباً يراد به الذم ويقصد به المغالطة والتفكير
الملتوي 0
·
ابن خلدون
ومكيافيلي :
· من الممكن المقارنة بين ابن خلدون ومكيافلي الذي عاش بعد ابن خلدون بقرن
واحد تقريباً والذي يراه بعض المحققين أول من خرج عن ثوب الإغريق !! 0
· يتميز المنهج الأرسطي بشيئين :
·
1-
أنه صوري ( شكلي ) ، ولذا فإنه لا يتغلغل في أعماق الشيء أو يفهم
العلة أو السبب منه ،، فمثلاً التعامل مع البنوك ،، ضاع على المسلمين عقوداً من
السنين وهم لا يتعاملون مع البنوك بسبب آراء فقهية لبعض المتزمتين بسبب أن هؤلاء
الفقهاء كانوا حريصين على الشكل ( صورة الأمر الشرعي ) 0
·
2-
منهج استنباطي ،، بمعنى أنه منهج يبدأ البحث بالإعتماد على
كليات عقلية عامة ثم يستنبط منها النتائج الجزئية الخاصة ،، وهو بذلك يختلف عن
منهج العلوم الحديثة الذي يعني الإنتقال من الجزئيات إلى الكليات وهو ما يسمى
بالمنهج الإستقرائي بينما يسمى منهج أرسطو بالمنهج الإستنباطي 0
· يقول الدكتور زكي نجيب محمود : كانت الفلسفة طوال القرون الوسطى تقوم على
أساس خطأ لا يمكن أن يؤدي إلى علم جديد فقد اتخذت القياس المنطقي سبيلاً لتأييد
المذاهب والآراء ، والقياس المنطقي وسيلة عقيمة في كثير من وجوهه لأنك مضطر أن
تسلم بمقدماته تسليماً لا يجوز فيه الشك 0
· العلم الحديث أثبت بطلان علم الفراسة ،، إذ أن ليس هناك علاقة بين أخلاق
الإنسان وبين ملامح وجهه أو شكل بدنه 0
·
رأي الشكاك :
· الشكاك هم جماعة عجيبة ظهرت في العالم الإسلامي وكان أثرها في تفكيره وفي
حضارته شبيهاً إلى حد كبير أثر السفسطائيين في الحضارة الإغريقية وقد كتبوا في
منهجهم الشكلي كتباً كثيرة إلا أنها أتلفت وأحرقت ولم نجد منها إلا ما نجده في كتب
المنتقدين لهم من عبارات منقوصة وآراء مشبوهة ومن أمثالهم صالح بن عبد القدوس
المتزندق المعروف وابن الرواندي والرازي الطبيب المشهور 0
· هناك نظرية للجاحظ عجيبة يناقض فيها مذهب المعتزلة المنتمي له وتناقض
النزعة العقلانية التي هي من مبادئ المنطق القديم ،، فهو يعتقد أن العقل البشري لا
يستطيع أن يرى الحقائق الخارجية رؤية صحيحة تامة ،، فهو محدود في مجال معين لا
يستطيع أن يتعداه ولهذا فإن من الظلم أن نطالب الناس أن يحكموا في الأمور حكماً
مشابهاً ،، إن مجال عقولهم مختلف ولا بد إذاً من أن تأتي أحكامهم مختلفة ،، وهذا
طبيعي لا مفر منه !! 0
· يقول الوردي : إن هذه النظرية الجاحظية رائعة حقاً وهي تقرب كثيراً مما
توصل إليه علماء الإجتماع الحديث في موضوع
( اجتماعية المعرفة ) ولو أن
الزمان حفظ لنا هذه النظرية لربما وجدنا الجاحظ أعظم من ابن خلدون ، والظاهر أن
هذه النظرية لم ترق في أعين المتزمتين فسعوا إلى إتلافها 0
· لم يستجب الناس إلى الإمام الغزالي فكان دائماً ما يردد :
· غزلت لهم غزلاً دقيقاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي
· وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة ،، وهو لم يقتصر في نقده
للمنطق على نقض مبدأ العقلانية والسببية كما فعل الغزالي ،، إنما حاول نقض الأصل
الذي يقوم عليه الإستنباط المنطقي والقياس وهو في هذا يشبه فرانسيس بيكون وجون
ستيورات مل 0
· في التاريخ العربي هناك خمس حركات فكرية حاولت أن تنتقص من أهمية النزعة
العقلانية والمنطق الأرسطي ،، منهم حركة الشك ( الزندقة ) والغزالي والجاحظ وابن
تيمية وابن خلدون ،، وحين نصل إلى ابن تيمية نجده يرتفع إلى القمة في نقده للمنطق
0
·
ما هو محور النظرية
؟
· كتب ابن خلدون مقدمته بشكل غير مرتب أو منظم مما جعل الباحثين مختلفين في
محور النظرية ،، فيرى الأستاذ ساطع الحصري أن فكرة ( العصبية ) هي المحور الذي
يدور عليه معظم المباحث الإجتماعية في المقدمة ،، وهذا مذهب أغلب من درس ابن خلدون
ونظريته ،، وللدكتور طه حسين رأي آخر في محور النظرية الخلدونية ،، فهو يذهب إلى
أن تلك النظرية تدور حول موضوع الدولة وبالتالي فإبن خلدون لا يستحق ان نطلق عليه
لقب عالم اجتماع لأن موضوع الدولة أضيق من أن يصلح موضوعاً لعلم الإجتماع 0
· يقول د0علي الوردي : إني أخالف رأي الحصري وطه حسين ،، ففي رأيي أن نظرية
ابن خلدون تدور حول موضوع واحد هو أوسع نطاقاً وهو ( صراع البداوة والحضارة )
ويمكن القول أن لها جانبين ( سكوني Static )
والآخر ( حركي Dynamic) ،، فالجانب السكوني يتمثل في تعيين خصائص البداوة
والحضارة وكيف تظهر هذه الخصائص في كل منهما على حدة ،، أما الجانب الحركي من
النظرية فيتمثل في دراسة التفاعل والتصارع بين البداوة والحضارة وما ينتج عن ذلك
من ظواهر اجتماعية مختلفة 0
· خلاصة نظرية ابن خلدون : المجتمع العربي ليس سوى نتاج لتضاد ( البداوة والحضارة ) وصراعهما من جهة
وتفاعلهما من جهة أخرى 0
·
نظرية العصبية 0
·
العصبية عند ابن
خلدون هي تلك الرابطة الإجتماعية التي تربط بين أبناء القبيلة وتجعلهم يتكاتفون في
السراء والضراء ،، والعصبية قوية كل القوة في البداوة ولكن هذا التنازع بين هذه
العصبيات المختلفة لا يكاد يختفي بتأثير دعوة دينية أو ما شابه حتى تظهر بذلك قوة
ساحقة لا يقف في طريقها حائل وتتجه هذه القوة نحو البلاد المتحضرة لتؤسس الدولة
الجديدة كما أسلفنا ثم تبدأ العصبية بالضعف من جراء انغماس أهلها في الترف
والملذات فيأخذ ساسة الدولة عندئذ باستخدام الجنود المأجورين للدفاع عن دولتهم
وهؤلاء المأجورون قد ينفعون في هذا الشأن قليلاً أو كثيراً إنما هم لا يصمدون
طويلاً تجاه الموجه الجديدة الآتية من البادية والمشحونة عصبياً واندفاعاً 0
·
وصف ابن خلدون
للعرب :
· 1- العرب إذا تغلبوا على
أوطان أسرع إليها الخراب ( همج )
· 2- العرب أبعد الناس عن
سياسة الملك ( بدو )
· 3- العرب أبعد الناس عن
الصنائع ( بدو )
· 4- العرب يستنكفون عن طلب
العلم ( جهل )
·
فنرى باختصار أن
ابن خلدون وصف العرب بأنهم باختصار شديد ( بدو ) وبالتالي فهم همج في سلوكهم وجهال
لا يؤمنون بالعلم ويحتقرون الصنعة 0
·
سبب ابداع ابن
خلدون للمقدمة
·
يقول د0 طه حسين :
إن ابن خلدون ما كان في مقدوره ابداع نظريته لو كان قد عاش قبل الزمن الذي عاش فيه
وهو إنما استطاع لأنه عاش في زمن أخذت تظهر فيه الموسوعات الضخمة ،، ومن المحتمل
جداً أن تلك الموسوعات كانت عوناً لابن خلدون على توسيع فكرته الجوهرية ودعمها 0
·
أما المؤرخ الفرنسي
( جوته ) فيذهب إلى تعليل عبقرية ابن خلدون مذهباً عجيباً فيرى أن هذه العبقرية
بسبب نفحة جاءت إليه من أوروبا عبر الأندلس ،،، فالتفكير المبدع هو من خصائص
العقلية الأوروبية الغربية وأن العقلية العربية الإسلامية عاجزة عن ذلك ولا بد
إذاً من أن نفترض أن نفحة من النهضة الأوروبية قد خرقت البحر المتوسط لتصل إلى روح
ابن خلدون الشرقية 0
·
أما الدكتور (
غاستون بوتول ) ، عالم الإجتماع الفرنسي والمولع بابن خلدون فيقول : إن المجتمع
الذي عاش فيه ابن خلدون قد تميز بظاهرة اجتماعية قلما نجدها بارزة مثل هذا البروز
في أي مجتمع آخر ،، وهذه الظاهرة تتباين تبايناً صارخاً بين أقصى أنواع الحضارة
وأقصى أنواع البداوة ،، وقد أدى هذا التباين إلى حدوث فوضى سياسية عنيفة جعلت
الدول والأمارات تتابع في ظهورها واختفائها إثر الهجمات التي شنت عليها من قبل
البدو المتوحشين ،، وعاش ابن خلدون في هذا الوضع يريد أن يؤسس لنفسه إمارة وجاهاً
،، فدخل معمعة السياسة واشترك في مؤامراتها وتقلباتها ثم أدرك أخيراً أنه غير موفق
فيما أراد فأخذ يتأمل في أسباب فشله ،، وجره ذلك إلى أن يسأل نفسه : كيف تقوم
الدولة ؟؟ ، وما هو أصل البيوت المالكة ؟ وكيف ينشأ البيت المالك ؟ ،،،0
·
يضيف بوتول قائلاً
: ان ابن خلدون لم يكن ذا ذكاء عادي ، بل كان عبقرياً وميزة العبقري أنه معرض
للحيرة والتساؤل تجاه الأمور العادية التي لا ينتبه إليها عامة الناس 0
· أما الأستاذ الحصري فله رأي مهم أن أسرة ابن خلدون التي نشأ فيها كانت
تتقلب بين رياسة علمية ورياسة سلطانية ،، وكان من شأن هذه البيئة العائلية أنها
أنتجت في ابن خلدون نزعتين قويتين : حب المنصب والجاه من ناحية وحب الدرس والعلم
من ناحية أخرى
· ابن خلدون كتب سيرته الذاتية في كتابه ( التعريف )0
· هناك شيء مهم نلاحظه في سيرة ابن خلدون هو أنه ينهمك في السياسة فترة من
الزمن ثم يعتزلها ليشتغل في طلب العلم ثم يعود إلى السياسة مرة أخرى ليعود إلى
الإعتزال بعدها ،، وقد فعلها ابن خلدون سبع مرات طيلة حياته !!! 0
· يقول د0الوردي : وهذا يدل على أن ابن خلدون كان يعاني صراعاً نفسياً
عميقاً لا يستطيع أن يتخلص منه فهو يحب السياسة والعلم معاً ويجد في كل منهما لذة
خاصة فإذا انهمك في أحدهما زمناً عاوده الحنين إلى الآخر فرجع إليه 0
· ابن خلدون ينتمي إلى أسرة عريقة نبغت في العلم والسياسة 0
· يصعد نسب الأسرة الخلدونية إلى الصحابي الجليل وائل بن حجر ، وكان وائل
هذا من أهل حضرموت وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارسل معه معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنه إلى حضرموت لكي يتوليا معاً مهمة تعليم القرآن الكريم ونشر
الإسلام والظاهر أن صحبة وائل ومعاوية وظلت مستمرة إلى النهاية فقد عاش زائل حتى
خلافة معاوية وكان من المعروفين في الإخلاص لمعاوية والتعصب له وعندما حدثت قضية
حجر بن عدي المشهورة وكان وائل من المشتركين فيها بجانب معاوية 0
· يقول جورج سارتون : إن مقدمة ابن خلدون كتاب ذو نزعة سوداوية ، وإن ابن
خلدون كان من رواد النزعة التشاؤمية التي ظهرت أخيراً في شبنجلر مؤلف كتاب (
انحطاط الغرب ) 0
· يبدو أن ابن خلدون في هذا كان ينتقد ابن تيمية وأمثاله من المفكرين
المثاليين الذين يحاولون إصلاح الدولة أو المجتمع عن طريق إصلاح العادات 0
· لاحظنا أن العوامل التي أسهمت في تكوين عقلية ابن خلدون جاءت إليه من
منابع شتى نفسية واجتماعية وحضارية ،، إنما هي كلها تقريباً تكاد تتجه نحو إشارة
الحيرة أو الصراع النفسي فيه 0
· أكمل ابن خلدون تأليف المقدمة في مدة قصيرة جداً لا تتجاوز الخمسة أشهر
تقريباً ، وهذا أمر يلفت النظر ، إذ أن من العجيب حقاً أن يتم تأليف الكتاب الذي
يحتوي على تلك النظرية الكبرى في مثل تلك المدة القصيرة !! 0
· لا ننكر أن ابن خلدون راجع مقدمته غير مرة وأخذ ينقح غير مرة ويضيف فيها
وربما صح القول إن في بعض إضافاته زاد المقدمة ارتباكاً وخلطاً ،، إنه عبقري ملهم
والعبقري معذور على أي حال 0
·
السر وراء كتابة
المقدمة :
· يقول الأستاذ ساطع الحصري حالة ابن خلدون النفسية أثناء كتابة المقدمة
فيقول : فإنني عندما اتأمل فيما كتبه ابن خلدون في هذا الصدد ، أجزم بأن توصله إلى
مجموعة من الآراء المبتكرة إنما كان حدث من جراء تدفق فجائي بعد حدس باطني واختمار
لا شعوري ، كما لاحظ ذلك بعض علماء النفس في حياة عدد غير قليل من المفكرين
والفنانين 0
· لقد استمد كونت جذور تفكيره الأساسية في الغالب من التراث الفكري الذي
كان سائداً في أوروبا في عهده ، ليس من المستبعد أن يكون كونت قد اطلع على بعض
آراء ابن خلدون واستفاد منها ولكنه مع ذلك كان أقرب في تفكيره إلى النمط الغربي
منه إلى النمط الخلدوني العربي ولهذا كان علم الإجتماع الذي بدأ به كونت يختلف في
ملامحه وخطوطه عن علم الإجتماع الخلدوني اختلافاً غير قليل
· انتقد جومبلوتز نظرية ( العقد الإجتماعي ) في تعليل نشأة الدولة ، وهي
النظرية التي جاء بها جان جاك روسو وجون لوك وهوبز ، وراجت في الأوساط العلمية
السياسية في حينها رواجاً كبيراً ومؤداها أن الدولة نشأت من جراء عقد اجتماعي حيث
اتفق الناس به على تولية أحدهم حاكماً عليهم واشترطوا عليه أن يكون عادلاً في حكمه
، فإذا أخل بهذا الشرط جاز لهم أن يعزلوه وان يختاروا شخصاً آخر 0
· يقول جومبلوتز أن هذه النظرية غير صحيحة تاريخياً ، فالدولة في رأيه لم
تنشأ من جراء عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم وإنما هي بالأحرى نشأت من جراء
النزاع بين الجماعات البشرية المختلفة وسيطرة إحداها على الأخرى 0
· انتهى تلخيص الكتاب بعون الله وتوفيقه بعد صلاة مغرب يوم الثلاثاء للرابع
والعشرين من شهر جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة وثلاثة وثلاثون للهجرة النبوية
الكريمة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام والموافق للخامس عشر من شهر مايو من
عام ألفين واثنا عشر من ميلاد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام 0