خواطرمن كتاب المثقفون في الحضارة العربية
( محنة بن حنبل ونكبة بن رشد )
للدكتور محمد عابد الجابري
تلخيص عبدالله أحمد الباكري
تعريف المثقف
المثقف هو شخص يفكر ، بصورة أو بأخرى ، مباشرة أو غير مباشرة ، انطلاقاً من تفكير مثقف سابق ، يستوحيه ، أو يسير على منواله ، يكرره ، أو يعارضه ، يتجاوزه 0000الخ ، فليس هناك مثقف من الصفر0
- أوجست كونت أسس علم الإجتماع وتوهم أنه مثل الفيزياء ، فوصف الفرد البشري كأنه نقطة مادية ، وفسر العلاقات الإجتماعية بأنها علاقة التأثير وتبادل التأثير ، وغالى بعضهم إلى درجة أنهم نظروا إلى الأحداث والتحولات الإجتماعية والتاريخية منظور أنها ( تحويل طاقة )0
- نزوح الناس من البادية إلى المدينة يخضع لقانون الجاذبية 0
- التعاون والتشارك بين الناس في المجتمع شكل من أشكال الجاذبية من الذرات
- فرويد أيضاً وظف مفاهيم فيزيائية واقتصادية وغيرها في التحليل النفسي ونجح في ذلك لأنه وظفها صحياً في حقله المعرفي الخاص0
- ماركس وظف مفاهيم وتصورات رياضية وفيزيائية الأصل في تحليله للإقتصاد الرأس المالي مثل قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج0
- في الفقه الإسلامي أيضاً نقلت مفاهيم النحو إليه مثل الفرع والعلة والشاهد والمناسبة وطبقت بشكل صحي جداً 0
- ظاهرة نقل المفاهيم والمصطلحات تحدث في بداية نشوء الفرع المعرفي0
مفهوم المثقف
المثقف بالمفهوم العضوي لـ غرامشي الشهير بالموضوعية ، والذي يقول : إن المثقفين ، بما هم المثقفون ، لا يشكلون طبقة مستقلة ، بل إن كل مجموعة اجتماعية لها جماعة من المثقفين خاصة بها ، أو هي تعمل على خلقها0
ووظيفتهم هي أن أداة الهيمنة والسيطرة وتحقيق الإنسجام داخل المجموعة0
- المثقفون نوعان : 1- مثقفون دينياً 2- مثقفون سياسياً 0
- بدأت الصحوة العلمية عند الغرب في القرن العاشر الميلادي تقريباً عند المثقفين في العصر الوسيط خلال القرن العاشر الميلادي تقريباً عندما بدؤوا بترجمة كتب العرب وكتب الإغريق عن طريق العرب أيضاً0
- كانت هذه الطبقة المثقفة الوليدة لا تثق إلا بما كتبه العرب المسلمون !! 0
- اتصل مثقفوا العصر الوسيط بالعرب عن طريق التجارة أولاً ، ثم الفكر عن طريق الترجمة ثانياً 0
- حاول الفارابي ومن بعده ابن سينا دمج الدين في الفلسفة ودمج الفلسفة في الدين فأدى ذلك إلى إحداث مشاكل ثقافية ، أدت إلى تصدي الغزالي لهما بتهافته المشهور ، ولكن ابن رشد عمد إلى تصحيح الوضع ، فبين كيف أن الدين مستقل بذاته ، له أصوله الخاصة ، وأن الفلسفة كذلك مستقلة بذاتها ، وأن التقاء البنائين وتكاملهما أمر يجب أن لا يلتمس في الأصول وإنما في الغاية والهدف لأن كليهما يهدفان إلى تحقيق غاية الفضيلة 0
- بعد وفاة ابن رشد تقوَل عليه تلامذته سواءً من الشرق أو من الغرب أقوالاً لم يقلها ثم نسبوها إليه أدت إلى المطالبة بإعطاء الفلاسفة نفس الشرعية التي يتمتع بها رجال الدين مما مهد إلى فصل الدين عن الدولة في أوروبا وهذا لم يكن يخطر ببال ابن رشد قط 0
المثقف والفردية
- المثقفون كلمة وليدة حديثة لكلمات سابقة مثل المتكلمين والفلاسفة 0
- لا يكون المثقف مثقفاً إلا إذا سيطر عليه الوعي الفردي0
- لفظ ( الفرد ) معناه الحديث يعني المعنى المضاد أو المقابل لمعنى المجتمع أو الدولة ، أي المواطن والدولة في الزمن الحاضر 0
- الفرد في الثقافة العربية ذائب في المجتمع 0
المثقف متكلم
- المحددات البنيوية للعقل السياسي العربي ثلاثة :
1- القبيلة 2- الغنيمة 3- العقيدة
وهي تشكل قاعدة البنية العميقة للمجتمع العربي والإسلامي ، ومسرح النشاط السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي 0
- العناصر الكاملة ( القبيلة و الغنيمة والعقيدة ) الخليفة الخاصة والعامة0
- الفرد في المجتمع العربي يتمدد عبر الشبكات / الأزواج الخمس التالية :
1- الراعي / الرعية 2- الخاصة / العامة 3- العطاء / الخراج ( الغنيمة )
4- العقيدة / القبيلة 5- البدو / الحضر
أي أن الفرد العربي كان ينتمي ضمن هذه الخمسة أطر ، أي أنه إما راع أو انه من ضمن الرعية ، وهو من الخاصة أو أنه من العامة ، وهو إما يأخذ العطاء أو يدفع الخراج ، وهو إما تحميه القبيلة أو يحتمي بالعقيدة ، وهو إما يعيش في البادية أو في الحاضرة 0
- ظهور المثقفين في الحضارة الأوروبية يرجع إلى أن نسبهم الفكري والمنهجي يرجع إلى المتكلمين والفلاسفة في الإسلام 0
ظهور المثقفين في الإسلام
- بداية من المعتزلة الذين اعتزلوا الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ورفضوا الإنضمام لأي حزب منهما لأن كليهما يقع ضمن دائرة الإسلام ، فبالرغم من أنهم في الأصل ضمن معسكر الإمام علي إلا أنهم فضلوا اللجوء إلى المساجد واشتغلوا بالعلم حتى سموا بالمعتزلة ، فدشنوا بذلك مدرسة فكرية ثقافية جديدة 0
- ميلاد الجيل الأول من المثقفين العرب كانوا من المعتزلة الذين اعتزلوا الفتنة والإقتتال وتوقفوا عن مناصرة هذا الطرف أو ذاك ( علي أو معاوية ، الخوارج )0
- لماذا لم ينضم الجيل الأول من المثقفين العرب لحزب معاوية أو الخوارج ؟0
لأنهم رأوا أن هذه الحرب ليست في سبيل الله بل رأوها حرباً غير مشروعة تحركها القبيلة من أجل الغنيمة 0
- أبو الحسن البصري من أهل السنة إلا أنه وافق المعتزلة في مسألة ( القدرية ) القائلة بحرية الإختيار والمسؤولية ضداً على الجبر الأموي 0
- الإمام أبو حنيفة النعمان من أئمة أهل السنة إلا أنه هو الآخر وافق الخوارج في مسألة أن الإيمان هو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وليس من شروطه العمل ( أي القيام بما أمر به الشرع والإنتهاء عما انتهى عنه ) مثل المرجئة0
المثقفون والتسامح
- لم يكن المثقفون في العصر الأموي يشكلون فرقاً أو أحزاباً بل كانوا مثقفين ، أي علماء كلام يتكلمون في القضايا الإساسية التي كانت تشغل الناس في عصرهم ، وإذا كان المثقفون في أوروبا خلال العصر الوسيط قد اقترن ظهورهم بنشوء المدن الحضارية والجامعات والإحتكاك بالثقافة العربية والإسلامية ، فإن هذا الجيل من المثقفين قد ارتبط ظهوره بظهور ( الخلاف ) وتحوله إلى ( فتنة ) عملية وفكرية 0
- الجيل الأول من المثقفين العرب ظهر في الدولة الأموية وهم إما مرجئة أو قدرية0
- أهم ما كان يميز المرحلة الثقافية الأولى عند العرب أمران مهمان هما التسامح والحرية ( إقرار المسؤولية ) 0
- راح الجيل الأول من المثقفين العرب يدافعون عن مفهوم ( الإيمان ) كأبي حنيفة مفهوماً يقوم على الإعتدال والتسامح ، أي مفهوماً ليبرالياً لو جاز لنا التعبير ، وهذا المفهوم ينص على ( لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة )0
- غيلان الدمشقي يرسل رسالة إلى عمر بن عبد العزيز يعظه فيها ويقول له : إن إقرار حرية الإنسان واختياره وتأكيد تحمله مسؤولية أعماله (( وهذا هو مضمون الليبرالية )) ، فابن غيلان الدمشقي يعتبر تنويرياً في زمانه0
- تحول ابن غيلان وأتباعه إلى ( مثقفين عضويين ) لقوى التغيير في أواخر العصر الأموي ولم يكتفوا بنشر مذهبهم القدري فحسب بل عملوا على نشر ايديولوجيا تنويرية متكاملة تكرس جهة نظر عقلانية ومتحررة 0
- مواقف ابن غيلان كانت مواقف تنويرية في زمانها قامت في وجه ايديولوجيا الجبر من جهة ، وايديولوجيا التكفير من جهة أخرى ، وقد كان لهذه الإيديولوجيا التنويرية دور أساسي في تعبئة الرأي العام يومها في إنجاح الثورة العباسية 0
مثقفوا الإقتباسات
- كان القرن الرابع الهجري بحق عصر اللا مركزية ( عصر إمرة الأمراء ) عصر الدول المستقلة ، فهو عصر خال من أي شيء ثقافي أو سياسي للدولة ككل ، فأصبح كل خليفة أو أمير يزين مجلسه بالعلماء والفقهاء والأدباء فظهرت فئة جديدة نسميهم بـ ( المستهلكين للثقافة ) وهم الآخذون من هنا وهناك ، فأصبحوا يدلون بآرائهم في كل علم وفن ، ولكن كل هذه المشاركات والإسهامات التي قدموها كانت خالية من أي نوع من الإبداع 0
- بقيت الفلسفة العربية والعلوم العربية في أوروبا ولدى مفكريها وعلماءها إلى القرن الثامن عشر ، ثم أخذت تنفصل عنها جذرياً وتتشكل كثقافة حديثة تمثل نقلة نوعية في التاريخ الإنساني ، فأبو العلم الأوروبي الحديث جاليليو يدين مباشرة أو بواسطة إلى ابن الهيثم ، كما أن فلسفة سبينوزا تدين هي الأخرى في مبناها أو معناها بالشيء الكثير لإبن رشد بل إن ابن رشد حاضر بقوة في أعمال أعظم الفلاسفة الأوروبيين المحدثين على الأطلاق وهو الألماني إيمانويل كانت ، وليس أدل على استمرار سلطة الفكر العربي على العقل الأوروبي إلى عصر كانت في القرن الثامن عشر أن شهادة الدكتوراة التي منحتها كلية الآداب في جامعة كونسبرج للفيلسوف الألماني المذكور في 12 يونيو من سنة 1755م كانت مزينة بعبارة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وهذه شهادة تغني وتكفي 0
- العالم الممتحن إنما يمتحن لكونه يمتلك سلطة مصدرها ( الدين ) أي باسم الشرعية ، ولأنه يحظى بمساعدة العامة أو ما يسمى اليوم الجماهير الشعبية ، والسلطان إنما يمتحنه بسبب هذا التأييد الجماهيري الذي يشكل خطراً على الحاكم ودولته0
- العامة تريد من زعمائها أن يكونوا أبطالاً وشهداء أما الذين يتراجعون ويلجؤون إلى التقية فهم ينتهون ويحرقون ولا تذكرهم كتب السير والتراجم 0
- الهدف من دراسة محنة ابن رشد وابن حنبل هو هدف علمي محض فالإنسان لا يلجأ إلى دراسة التاريخ إلا فهم الواقع والحاضر 0
محن العلماء والسياسة
- أول محنة للعلماء في التاريخ الإسلامي هي تلك التي تعرض لها ( حجر بن عدي الكندي ) عندما أمر معاوية بن أبي سفيان وإليه بالكوفة بالثناء على عثمان بن عفان والتعرض لـ علي بن أبي طالب ، ففي البداية كان المغيرة بن شعبة والي الكوفة فلم يتعرض لـ حجر بن عدي الكندي وجماعته إلا أن خلفه زياد بن أبيه تعرض لهم بل وقتلهم 0
- ومن العلماء الذين واجهوا الحكم الأموي وتحدوه فتعرضوا للمحنة ( سعيد بن جبير ) الذي قتله الحجاج 0
- ومن العلماء الذين تعرضوا للإمتحان والبلاء ، سلطان العلماء ( العز بن عبد السلام ) ، وقصته مشهورة مع المماليك0
- لم تنته قضية خلق القرآن بوفاة المأمون ، وهذا دليل قاطع على أن المسألة لم تكن مسألة قناعات فكرية دينية أراد المأمون فرضها ، كما أنها لم تكن قضية تحريض يقال بأن المعتزلة مارسوها على المأمون بعد أن استمالوه إليهم لغرض مذهبهم الذي من جملة مسائله الفرعية مسألة ( خلق القرآن ) ، كلا 0 إن القضية الأساسية كانت قضية دولة ككل ، أو بعبارة أخرى : قضية أمن دولة0
- بقي الصراع يجري على سطح القضية ( خلق القرآن ) بتوظيف مسألة دينية ، الكل يعلم أنها من الفروع التي يجوز فيها الإختلاف ويقبل فيها بتعدد وجهات النظر لأنها مسألة اجتهادية ، وقد ظلت حجج الطرفين متكافئة من الناحية الدينية0
- لقد حمل أهل السنة رجال المعتزلة أوزار الفتنة بأنهم هم الذين زينوا للمأمون القول بخلق القرآن ، وأن رجالهم الذين استوزروا للمأمون من أمثال أحمد بن أبي داود وجماعته هم الذين دبروا المحن وأشرفوا على تنفيذها0
- نضجت فكرة ( السفياني ) في بلاد الشام نسبة إلى أبي سفيان ، وهي رمز للحنين إلى الدولة الأموية لأن بني العباس قد طغوا بامتحان الناس في دينهم بخلق القرآن ، وميلهم إلى الفرس أكثر منهم ، فتحولت فكرة ( السفياني ) إلى رمز من رموز ميثولوجيا الإمامة وإلى مشروع سياسي عملي ويعادل فكرة ( المهدي ) عند الشيعة0
- العلاقة بين الإمتناع عن القول بـ ( خلق القرآن ) وبين مناصرة الأمويين والتعاطف معهم أمر واضح0
- يخلص الدكتور الجابري إلى أن : العلاقة وطيدة جداً بين قرار المأمون بإظهار القول بخلق القرآن وامتحان الناس فيه وبين رغبته في قمع حركة كانت قد تنامت وباتت تكتسح الساحة : حركة معارضة كان يقودها رجال الحديث ، حركة ملتبسة ومتداخلة مع التيار المتعاطف مع الأمويين 0
- محنة خلق القرآن كانت تظيف ديني من أجل السياسة0
- وهكذا نرى أن عقيدة ( أهل السنة والجماعة ) كان يقررها ابن حنبل ، بطل محنة ( خلق القرآن ) هي في مضمونها الديني عقيدة معارضة على طول الخط للعقيدة التي قالت بها القوى المعارضة زمن الأمويين ، وبالتالي فمضمونها السياسي ينصرف مباشرة إلى رفع الإدانة عن الأمويين وتوجيهها إلى العباسيين ، ويبقى السؤال المهم : لماذا اختار المأمون ومستشاروه في ( الأمن القومي ) استراتيجية مواجهة ( أهل السنة والجماعة ) من خلال رفع شعار ( خلق القرآن ) دون غيره0
- يخلص الجابري إلى أن المعتزلة : كانوا النخبة المثقفة ( الليبرالية التنويرية ) بلغة عصرنا – النخبة التي تعتمد العقل قي فهم أكثر للأمور من اعتمادها على المرويات عن السلف بما في ذلك الحديث0
جزاك الله خيرا
ردحذفرائع .. جزاك الله خير
ردحذف